السعة ستزيد 100 ضعف بعد تمديد الألياف البصريّة الجديدة
تخيّل سعة الإنترنت في متناولك أكبر بـ100 ضعف السعة الموجودة حالياً، وبسرعة لا تقارن مع الواقع القائم... فرضيّة كانت خياليّة قبل سنوات، لكنّها تبدو الآن واقعيّة جدّاً. فقد كشف وزير الاتصالات شربل نحّاس أمس، عن «خطوة كبيرة» ستنقل هذا القطاع إلى مستوى جديد من التطوّر، تتمثّل بتوسعة قدرة شبكة ربط الإنترنت من خلال تقنيّة الـ«الحزمة العريضة»، سيلمسها المواطن مباشرة بعد إنجاز تمديد الألياف البصريّة
حسن شقراني
قبع لبنان كثيراً في المنطقة الرماديّة في ما يتعلّق بمؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فسنوات من الإهمال والسياسات الخاطئة لم تؤدّ سوى إلى تأخّر عن الركب العالمي. ويمكن أيّاً كان أن يلمس ذلك من خلال قياس مستوى أداء خدمات الاتصالات بكل أشكالها. لكن الآن حان وقت التغيير، إذ أعلن وزير الاتصالات شربل نحّاس ركوب لبنان موجة التطوّر في قطاع الإنترنت عبر تحديث شبكات الاتصال لتكون متماهية مع الجيل الجديد من تكنولوجيا الحزمة العريضة.
وفي مؤتمر نظّمه في الوزارة، شرح نحّاس الخطوات الواسعة التي ستُتخذ خلال العام الجاري لإنعاش القطاع الذي «تحوّل خلال المراحل الماضية إلى مورد ضريبي بحت، حيث ارتفعت فيه الأسعار وضاقت فيه سعة الاتصال».
الشرح كان مخصصاً لعدد كبير من المدعوّين من القطاعين العام والخاص، الذين لبّوا الدعوة انطلاقاً من وعيهم لمدى أهمية الخطوة، وقد تقدّم الحضور وزراء المال والطاقة والمياه والاقتصاد والصحة والسياحة والتنمية الإدارية وحاكم مصرف لبنان ومصرفيون وموظفون كبار في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومسؤولو الصحافة ووسائل الإعلام وشركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وجمعيات مهنية عدّة...
رؤية متكاملة
ستشهد خدمات الإنترنت خلال العام الجاري تحوّلاً جذرياً، من خلال الاعتماد على تقنيّات الحزمة العريضة (Broadband)، سيمسّ خلال المرحلة الأولى المؤسّسات التي تحتاج إلى قدرة عالية من السعة على الشبكة وهي المؤسّسات ذات الاستخدام المكثّف (High Usage).
وتلقائياً، أوضح نحّاس، سيبدأ المواطن العادي بالاستفادة من خلال ربط جميع المناطق اللبنانيّة بالشبكة الحديثة. وهي عبارة عن ألياف بصريّة (Fiber Optics) تعدّ أكثر فعاليّة وقدرة وتحمّلاً بأشواط مقارنة بالشبكة التقليديّة، وهي عبارة عن توصيلات نحاسيّة عاديّة.
وللقيام بتلك الخطوة، لا بدّ من توسيع قدرة لبنان من حيث السعة (قدرة استيعاب الشبكة لنقل المعلومات). وذلك يتمّ عند مستويات مختلفة. ووفقاً لما طرحه نحّاس فإنّ السعة الخارجيّة التي يرتبط بها لبنان سترتفع بواقع 300 ضعف خلال المرحلة المقبلة، فيما ستوسّع الشبكة الداخليّة بواقع 50 ضعفاً. وهكذا سيشعر الفرد العادي المتصّل بالشبكة الإلكترونيّة الكونيّة عبر كمبيوتره بفارق حجمه 100 ضعف لناحية السعة و10 أضعاف لناحية سرعة الاتصال، في نهاية المطاف.
وهذا الواقع المرتقب سيكون أحد الإنجازات التي تعدّ البلاد بأمسّ الحاجة إليها على صعيد البنى التحتيّة والخدمات الرائدة التي يوفرها الاستثمار العام في سبيل تطور القطاع الخاص والاقتصاد الوطني لتمكين المؤسسات من التنافس على قدم المساواة في الداخل ومع الخارج، وفقاً لحديث شربل نحّاس.
ويندرج هذا الطرح في إطار رؤية أبعد من العمود الفقري لشبكات المعلومات. فقد أوضح نحّاس أنّ العمل جار «على توفير بيئة نمو للخدمات، للمنصات الذكية، وللتطور في الأسواق الخارجية، في إطار تناغم المكاسب العامة مع المصالح الخاصة عبر السياسات القطاعية والبنى المؤسسية».
الخطّة الطموحة
وللدخول في تفاصيل الخطّة المطروحة، شرح المدير العام للإنشاء والتجهيز في الوزارة، ناجي إندراوس، الخطوات التي ستؤمّن الوصول إلى الهدف المنشود.
فالعمل سيبدأ لربط الشبكة المحليّة بالكابل البحري الذي يعدّ أساسياً في رفع السعة الخارجيّة. وبالتوازي مع ذلك، ستُنشر 4 آلاف كيلومتر من كابلات الألياف البصريّة التي ستنقسم بين حلقتين وطنيّتين و39 حلقة محليّة (على صعيد المناطق) من النبطيّة وصولاً إلى طرابلس.
وستبدأ حوالى 350 مؤسّسة وهيئة عامّة وخاصّة تحتاج إلى قدرة عالية من السعة على شبكة بالاستفادة مباشرة من خدمة الحزمة العريضة. وكانت معظم تلك الشركات ممثّلة في المؤتمر أمس.
وأوضح إندراوس أنّ تلك المؤسّسات ـــــ الشركاء تتكون من الإدارات العامّة والجامعات والمستشفيات ومحطّات الخلوي ومحطّات خدمة الإنترنت عبر تقنيّة الـ«DSL»، إضافة إلى الشركات المختلفة في قطاع الإعلام وطبعاً القطاع المصرفي.
ومع تطوّر هذه الخدمة تدريجاً لتمسّ كلّ الحلقات الاقتصاديّة في البلاد، فهي ستساهم، بحسب إندراوس، «في تحسين نوعيّة وتغطية الهاتف الخلوي وعمليّة الانتقال إلى الجيل الثالث وما بعده، كما ستساعد على تفعيل وتنشيط عمل الهواتف الذكيّة».
وأكمل المدير العام للاستثمار والصيانة، الرئيس ـــــ المدير العام، لهيئة «أوجيرو»، عبد المنعم يوسف، شرح الخريطة المتكاملة للتطوير، حيث أشار إلى أنّ الاتصال بالكابل البحري (IMEWE) سيجهز في 30 تمّوز المقبل، موضحاً أنّ الاتفاق بشأن هذا الكابل كان قد وقّع أساساً في عام 2007.
ووصف مشروع الكابل بانّه «مشروع تاريخي، لا نشهد استثمارات مشابهة له بصورة دورية»، فهو سيرفع سعة الاتصال على شبكة الإنترنت إلى 3.8 ملايين ميغابايت في الثانية (3.8 Million MB/s).
وإلى جانب هذا المشروع، هناك كابل «قدموس» الذي يربط لبنان بقبرص. وأوضح أنّ إنهاء توسعة هذا الكابل سيحصل بحلول 30 أيّار 2010.
وبالتوازي مع هذين المشروعين، سيكون العمل جارياً على إعداد دفاتر شروط خاصة بمقاسم الجيل الجديد (NGN) لنقل المعلومات (MPLS)، وذلك بحلول 30 حزيران 2010.
وهكذا مع حلول النصف الثاني من عام 2011، سيصبح متاحاً تمتّع الفرد العادي بخدمة الحزمة العريضة. وحينها يتحقّق ما يُرمز له تقنياً بـFTTx» (Fiber To The X-unit»، أي وصول شبكة الألياف إلى الفرد ـــــ الوحدة.
الكلفة والجدوى
لكن، ما هي كلفة هذه الورشة الضخمة، التي ستنقل لبنان إلى ركب التكنولوجيا؟
يوضح وزير الاتصالات أنّ كلفة هذا المشروع تبلغ 140 مليار ليرة، لا تتضمّن الأكلاف المترتّبة لإجراء التوصيلات اللاحقة في مرحلة «FTTx». وينقسم ذلك المبلغ بين 100 مليار ليرة مخصّصة لتمديد الشبكات وإجراء التطبيقات المطلوبة، و40 مليار ليرة لتعديل نظام التحويل (Switching) على صعيد الشبكة الداخليّة (NGN).
وفيما لا تزال موازنة عام 2010 عالقة، فقد طلب نحّاس من مجلس الوزراء سلفة بقيمة 65 مليار ليرة لإطلاق العمل مباشرة، وهو ما سيدرسه المجلس في جلسته غداً. ووفقاً لما أوضحه الوزير، فإنّ هذه الكلفة تساوي تماماً العائدات الإضافيّة التي ستحصل عليها الخزينة من جرّاء تحفيز القطاع، وبالتالي تحفيز نموّ الاقتصاد.
وشرح ذلك بالإشارة إلى دراسة أجراها البنك الدولي أخيراً تفيد بأنّ أي زيادة بنسبة 10% في اختراق الاتصال في الإنترنت عبر «الحزمة العريضة» ستؤدّي إلى رفع للنموّ الاقتصادي بنسبة 1.3% أي ما يوازي 600 مليار ليرة، ومن هنا تنجم الزيادة في العائدات الضريبيّة.
قواعد اللعبة
كلفة المشروع 140 مليار ليرة وسيؤمّن في عامه الأوّل عائدات ضريبيّة للخزينة بالقيمة نفسها
وبعد الحديث عن الكلفة، انتقل الوزير نحّاس للتشديد على أهميّة أنّ الجميع في البلد معنيّون بهذا المشروع وأنّ اللاعبين، أصحاب المصالح وواضعي السياسات والمستهلكين والمستخدمين والعاملين والمساعدين، مدعوون إلى احتضان وتبني التطور المتوخى دونما تمييز، تحت شعار أنّ «الكل رابحٌ بشكلٍ أو بآخر».
وذكّر نحّاس بأنّ إهمال البنية التحتيّة في البلاد بعد الحرب الأهليّة أدّى إلى «نشوء بنى فوقية عشوائية».
ومن هذا المنطلق «من الضروري استدراك مفاعيل السياسات، أو غيابها، ومن الواجب صياغة رؤية تواجه متغيرات المستقبل».
ومع طرح هذا التغيّر الجذري في قطاع الاتصالات، هناك دواع طارئة لوضع قواعد جديدة ليتمكن اللاعبون من التكيّف معها وركوب قطار القدرة الجديدة إلى آفاقٍ أرحب.
وأراد نحّاس من كلامه توجيه رسالة إلى أن التطوّر لا يحصل في ظل الإطار الزبائني القائم في البلاد، إذ إن عامل الندرة يعزز الاحتكار، ثم يقوم الاحتكار بتعزيز الندرة مجدداً ليبقى متحكّماً بالأسعار ويزيدها باستمرار.
وفيما تولّد الندرة الاحتكار والتعسف وتتغذّى منهما، تفرض الوفرة وفقاً لنحّاس «تحدّي حسن الإدارة». وهكذا «يغيّر تعاظم القدرة في الإمكانات المتاحة للاعبين، فيضيّق أبواباً ويفتح أخرى».
وعموماً، فإنّ «قواعد اللعبة الجديدة يجب أن تحقّق مصلحة العموم أوّلاً ومصلحة العاملين في القطاع ثانياً، وليس بتركيبات مفروضة أو مستنسخة»
http://www.al-akhbar.com/ar/node/185156